افتتح الملك محمد السادس عصر اليوم الجمعة، الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة للولاية التشريعية الحادية عشرة، حيث ألقى خطابا مليئا بالرسائل الواضحة والمباشرة. وبينما ركز على ملف الصحراء المغربية باعتباره القضية الوطنية الأولى، حمل الخطاب إشارات لا لبس فيها للتوجهات المستقبلية للمملكة على الصعيدين الدبلوماسي والتنمية الاقتصادية.
قضية الصحراء المغربية: تحول من التدبير إلى التغيير
في خطابه أمام البرلمان، أكد الملك محمد السادس على التحول الحاسم في معالجة قضية الصحراء المغربية، التي قال إنها انتقلت من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، على الصعيدين الداخلي والخارجي. هذا التحول يعكس تغيّرا في مقاربة المغرب تجاه الملف، حيث أشار الملك إلى أن المملكة لم تعد تكتفي بالرد على مواقف الخصوم بل تعتمد على الحزم والاستباقية.
واللافت للانتباه هو التأكيد الملكي على أن هذا التوجه الجديد يترافق مع تحولات دولية إيجابية لصالح الموقف المغربي. اعتراف دول كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا بسيادة المغرب على الصحراء يشير إلى أن التحرك المغربي لم يكن عبثيا، بل كان ثمرة جهد متأن واستراتيجي طويل الأمد. وهي المكاسب التي تأتي في ظل سياق دولي معقد وصعب، مما يعزز مصداقية ونجاح المقاربة المغربية.
الاعتراف الفرنسي ودلالاته الاستراتيجية
كان الإعلان عن اعتراف الجمهورية الفرنسية بسيادة المغرب على الصحراء المغربية من أبرز ما ورد في الخطاب الملكي. هذا الاعتراف، الذي جاء بدعم من الرئيس إيمانويل ماكرون، يعد خطوة مفصلية في مسار الدفاع عن وحدة المغرب الترابية. فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، تلعب دورا مركزيا في الساحة الدولية، وبالتالي فإن هذا التطور يكتسب أهمية بالغة.
إلى جانب التأييد الفرنسي، أشار الملك إلى تزايد دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية على نطاق دولي واسع. إسبانيا، العضو الفاعل في الاتحاد الأوروبي والدولة التي تعرف عن كثب خبايا هذا الملف، كانت من بين الدول التي تبنت مواقف داعمة للمغرب. هذا التحول يُعتبر أيضًا مؤشرا على تغيير النظرة الدولية تجاه النزاع المفتعل حول الصحراء، ونجاح الدبلوماسية المغربية في إعادة رسم معالم الملف على الساحة الدولية.
التنمية الاقتصادية في الصحراء: بين الاقتصاد والدبلوماسية
لم يقتصر خطاب الملك محمد السادس على البعد السياسي لقضية الصحراء المغربية، بل ركز أيضا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية. المشاريع الكبرى التي أطلقتها المملكة في الصحراء، مثل مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، ومبادرة الدول الإفريقية الأطلسية، تعد رافعة مهمة في تعزيز مكانة الصحراء المغربية كمحور للتنمية والتواصل بين المغرب وعمقه الإفريقي.
وفي هذا السياق، ثمن الملك تعاون الدول التي تتعامل اقتصاديا واستثماريا مع الأقاليم الجنوبية، ما يعزز سيادة المغرب على هذه المنطقة، لاسيما وأن مثل هذه الاستثمارات ليست فقط محفزا للتنمية المحلية، بل هي أيضا رسالة واضحة بأن الصحراء المغربية جزء لا يتجزأ من التراب الوطني، وأن الشراكة مع المغرب تشمل كل أقاليمه.
الدعوة إلى التعبئة الدائمة لمواجهة المناورات
رغم المكاسب التي حققتها الدبلوماسية المغربية، حرص الملك محمد السادس في خطابه على التحذير من مناورات الخصوم. وأكد أن المرحلة المقبلة تتطلب تعبئة دائمة ويقظة مستمرة.
فالتحديات لم تنتهِ، ولا تزال بعض الدول تتخذ مواقف مناهضة لمنطق الحق والتاريخ، وهو ما يفرض على المغرب تعزيز جهوده الدبلوماسية، سواء الرسمية أو الحزبية والمدنية.
ضمن هذا الاطار، كانت الدبلوماسية الحزبية والبرلمانية جزءًا مهما من خطاب الملك محمد الساذس، حيث دعا إلى مزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان، ووضع هياكل ملائمة لتعزيز العمل الدبلوماسي الخارجي. وهي “دعوة ملكية” تعكس اهتمام أعلى سلطة في البلاد، بتوحيد الجهود على مختلف المستويات لتوسيع دائرة الاعتراف بمغربية الصحراء ودعم مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع.
التضامن الوطني: أساس النجاح في الدفاع عن القضية الوطنية
من بين الرسائل المهمة التي تضمنها الخطاب الملكي، التأكيد على دور التضامن الوطني في تحقيق المكاسب الدبلوماسية والاقتصادية. الملك محمد السادس أشاد بتضامن جميع المغاربة، سواء في الداخل أو الخارج، في الدفاع عن وحدة وطنهم. وشدد على أن ما تحقق من نجاحات في ملف الصحراء كان نتيجة تضافر الجهود وتلاحم الشعب المغربي حول قضيته الأولى.
هذه الرسالة ليست فقط تعبيرا عن تقدير الملك لولاء المغاربة، خاصة أبناء الأقاليم الجنوبية، بل هي أيضا دعوة لمواصلة هذا التضامن في المرحلة المقبلة، التي وصفها بأنها تتطلب المزيد من اليقظة والعمل الجماعي.
رسائل إلى الخارج والداخل: المغرب حازم ومنفتح
في الختام، حمل الخطاب الملكي رسائل متعددة إلى كل من الداخل والخارج. في الداخل، دعا الملك إلى تعزيز التعبئة والتنسيق بين مختلف المؤسسات الوطنية للدفاع عن قضية الصحراء. أما في الخارج، فقد أكد على أن المغرب سيظل وفيا لنهج الانفتاح على محيطه المغاربي والإفريقي، ساعيا إلى تحقيق التنمية المشتركة والاستقرار الإقليمي.
هذه الرسائل تبرز أن المغرب، رغم حسمه الموقف بشأن وحدته الترابية، لا يزال يدرك أهمية العمل المستمر على المستوى الدولي. وفي الوقت ذاته، فإن نجاح المغرب في ملف الصحراء لا يتوقف فقط على الجوانب الدبلوماسية، بل يرتكز أيضا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليمه الجنوبية، وضمان أن تبقى هذه المنطقة جزءا لا يتجزأ من رؤية المغرب المستقبلية.